تماما كقطرة الندى في تكونها أو كبذرة سقطت في رحم الأرض واستقرت لتشق عن داخلها ونغرس جذورها في العمق...
هذا بالضبط وصفه لتلك الدقيقة من حياته..
إحساس بالقلق والتوتر أو هي الرهبة من المجهول ذلك الإحساس الذي يصاحبه كلما كان على موعد من السفر..فيضل طول الليل يفكر في الصباح وكأنها غمة ينتظر أن تمر سريها وتنزاح..
استقل الحافلة متجاوزا درجات الباب وما كاد يفعل حتى باغته السائق المستعجل معلنا بداية المسير ليندفع في طريقة المقصود..أما صاحبنا فكان يحاول الحفاظ على توازنه وتثبيت خطواته الشاردة مترنحا بين المقاعد..وكأن أمواجا تلاطمه لترمي به إلى مصيره المحتوم..وفي وسط تلك الغمرات رآها..إنها تلك اللمحة خاطفة و ليستل بعدها بصره بصعوبة ويتجاوزها إلى مقعد غير ذي بعيد يرتمي عليه ويستكين قليلا...
ليس سوى اهتزازات مختلطة بأنفاسه وصور يراها من النافذة تمر مر السحاب لم يكن أصلا يراها فقد محت صورتها كل الصور...
هل رأى ملاكا في نعومة الثلج ورقة أوراق الزهر... بدت له صافية بكل ما فيها فعرفها وفهم دواخلها فأيقن أنها هي التي يبحث عنها..
حاول أن يجد صحوة من سكراته ليبحث عنها أمامه ليرى فقط خصلة من شعرها...غريب هذا الأمر فما كان يبحث في تطلعه عن الجمال والفتنة بل كان يبحث علن ملامحها البريئة عن وجهها الطفولي...
هكذا كان غرقه في تلك الخيالات والصور التي رسمها من لمحة خاطفة و بنا منها سلاما لأحلامه
فراها بين الزهور في يدها وردة صغيرة تداعب أوراقها بأناملها الرقيقة ثم , تبسم وكأنه يقول لها أنتي الوردة وليست هي...ثم رآها وهو بجانبها فوق صخرة على ساحل البحر ويده على كتفها وهما يودعان قرص الشمس وهي تختفي في الأفق البعيد...
إنها صور من الخيال رسمها , قد لا تمت للواقع بصلة لكنه كان يصدق كل ما رسمه ويتأثر به..
انه الحلم الجميل الذي أنهاه سائق الشاحنة بصفارته القاسية معلنا أن قد وصلنا نهاية الطرية...
اخذ حقيبة وهو يفكر انه سيمر بجانبها مرة أخرى وسيراها ثانية لكن ماذا سيفعل؟ هل سيتركها؟ هل هو مجرد حلم وتبخر ؟ بضع خطوات مترددة فكان واقف بجانبها وقبل أن يستقر بناظريه قاطعه صوتها :
عفوا , هل ممكن أن تأخذ بيدي وتدلني الطريق لأنزل ؟
هههه يالك من مجنون أربع سنوات من زواجنا وأنت في كل ليلة تقص علي حكاية لقائنا الأول...
هكذا جاء صوتها ليقاطعه فما رد عليها لا بابتسامة وضمة إلى صدره..
ويبقى السؤل المطروح
هل هي فقط خيالات وأوهام ؟
هل أصبح الحب قصة أسطورية ليس لها مكان في رفوف الواقع ؟